عُدنا والعودُ أحمدُ ... الرجاء من زوارنا الكرام تزويدنا بالوصلات التي لاتعمل

جديد مدونتنا

إبــحــث عن كتــــاب

السبت، 25 ديسمبر 2010

جمهورية أفلاطون











رسائل الجمهورية

عُرِفَ أفلاطون بمحاوراته الفلسفية، وأشهرها (الجمهورية) التي حوت آراء الفيلسوف اليوناني في العدالة والخير الأسمى، ونظام المدن السعيدة وشرائعها، وطبائع النفس وفضائلها. يسند أفلاطون محاورة (الجمهورية) إلى أستاذه سقراط بمواجهة مجادلية السوفسطائيين بوليمارخس وأديمنتس وثراسيماخس إضافة إلى أخيه غلوكان. وما يميز مناقشات سقراط مقارعة الحجة بالحجة، وانسحاب المنطق الرديء أمام المنطق الجيد، وسمو الفكرة القوية على الفكرة الضعيفة، وإشراق البيان الأدبي على جهمة الجدل الفلسفي، حتى بعد ترجمته عبر اللغات.


دعوت نفسي إلى مأدبة سقراط، ماشياً في ركابه، حالماً بالاقتراب من مثل عالمه. ولطالما أعانتني (المحاورات) في دخول جمهوريات العصر الحاضر، وإنشاء رسائلي إلى مواطنيها. وألتمس العذر من قرائي إذا ما عرضت عليهم هوامش قراءتي التي دونتها على أطراف نسختي القديمة من (الجمهورية)، مستعيناً ببيان مترجمها حنا خباز، فهي جلّ ما أملك من رسائل أهديها إلى شاعر المدن العالمية المفتوحة، سركون بولص، في ذكرى إقامته بالقرب من ( أكربول) أثينا.

(1) الفن أقوى مما وضع لأجله

كل فن يتقصى مصلحته لنفسه بنفسه. لا نقص في فن من الفنون، ولا يحتاج لفن غيره. وليس من واجب الفن السعي في مصلحة غير ما لأجله كان فناً. فالغاية التي تنشدها الفنون هي كمالها الأسمى. وهو سليم سلامة تامة لكونه حراً وسليماً كفن حقيقي. إن الغاية القصوى للفن هو أن يطلب الفنان (الطبيب والحاكم والربان..) مصلحة الرعية. وليس من فن آخر يتناول ما هو لنفعه الخاص. إن الفن يسوس ويحكم، وإنه أقوى مما وضع لأجله.

(2) الندّ لا يتجاوز ندّه

لا يتجاوز الندّ ندّه. فالطبيب لا يتجاوز طبيباً آخر، والموسيقي لا يدعي التفوق على مثيله. وإنما الاثنان يرغبان في تجاوز ضديهما. الحكيم الصالح لا يرغب في تجاوز من ماثله، وإنما ما غايره وضادّه. أما الجاهل فيتجاوز العالم وغير العالم. الجاهل يتجاوز ندّه وضدّه معاً.

الحكيم الصالح عادل، والجاهل متعدٍّ شرير وظالم.

(3) الشرائع والطبائع

التشريع لا يعتبر خياليا ما دام منطبقاً على حكم الطبيعة. إلا أن تطبيق شرائع الطبيعة لا يبلغ مبلغ النظرية من الكمال.

إمكان تنظيم دولة في أقرب حالاتها إلى الكمال، هو إمكان تحقيق خطة في أقرب حالاتها للتطبيق.

(4) المدينة السعيدة

المدن الحسنة التنظيم، المحكومة بفطنة، هي مدن مكتفية. والمدينة السعيدة هي المعتدلة الحجم، لا بالصغيرة ولا بالكبيرة. المدينة السعيدة حكيمة وعفيفة وشجاعة وعادلة، وأفرادها يتصفون بتوازن قوى النفس الثلاث: العقل والحماسة والرغبة.

الإنسان العادل من يؤدي كل قسم في نفسه عمله الخاص. وعدالة الدولة أن يؤدي كل فرد عمله المخصوص له.

(5) سفينة الحكم

كان لسفينة ربان يفوق جميع البحارة طولاً وقوة، لكنه أصمّ حاسر النظر، لذا كان عاجزاً في فن الملاحة. تنازع الملاحون فيما بينهم، وطلبوا من الربان تسليم السفينة إليهم، لأنهم يظنون في أنفسهم المقدرة على قيادتها. ثاروا على كل من عارضهم، وغلّوا الربان وأصبحوا سادة السفينة.

طبيعة الأشياء تشير إلى أن الحاكم الكفيّ لا يستعطف رعاياه لكي يخضعوا لحكمه، وإنما الرعايا ينشدون رب الكفاية كي يحكمهم.

(6) أوهام الكهف

لنتصور طائفة من الناس مكبلين بالسلاسل داخل كهف منذ ولادتهم، تقابل ظهورهم مدخله، وراءهم نار مشتعلة ملتهبة، يفصلها عن الكهف طريق يمر عليه الناس، فيظن سجناء الكهف أن ظلال هؤلاء المارين المنعكسة على جدران باطن الكهف اليقينيات الوحيدة، ويظنون ما يسمعونه كلامها.

لو أن واحداً من سجناء الكهف نجح في التخلص من أغلاله وخرج إلى ضوء النهار، فأدرك حقيقة الأشياء في الضوء الساطع للنهار، لأصبحت نسبته إلى بقية السجناء كنسبة الفيلسوف إلى العامة ناقصي التهذيب أو الإدراك. فإذا عاد إلى الكهف أصبح موضع هزء رفاقه، كما يهزأ الناس من الفلاسفة الحقيقيين. لكن متى استمر في ألفة الأشياء داخل الكهف، فاقت معرفته معرفة رفاقه لما يعرف من الحقيقة وراء الظلال التي يرونها.

الفيلسوف الذي يشتغل بمصالح البشر يتفوق عليهم بسلاحهم. والنفس التي تلتفت لمواجهة النور تسمو ببصيرتها وتهذيبها بعد أن تعرف الحقيقة وتميزها عن ظلها.

(7) المستبد

يختار عامة الناس بطلاً لقضيتهم ويعظمونه. ومن هذه البطولة ينشأ الاستبداد، ويتحول البطل إلى مستبد. وحين يرى البطل رضوخ العامة يمتص دماءهم (بشفتين بخستين). ورجل كهذا إما أن يغتال أعداءه أو يزداد استبداداً فيتحول إلى ذئب.

فإذا نفي وعاد من منفاه رغم مقاومة أعدائه يعود مستبداً تاماً. وخوفاً من الاغتيال يطلب من الأمة حرساً له، فيلبي العامة طلبه لجزعهم عليه، فيزداد إرهاباً (خوفاً وجبناً) ويرسل أعداءه إلى الإعدام، ويقبض على زمام الدولة ويصبح مستبداً عظيماً بعد أن أصبح بمأمن ممن وقعوا تحت نيره الثقيل. ويستحق حينذاك تسمية (ابن الموت).

يستهل (ابن الموت) حكمه هاشاً باشاً، ويكثر الوعود في السر والعلن. يلغي الديون ويوزع الأراضي على العموم، لاسيما على أشياعه، ويتظاهر بالوداعة والحنان على الجميع. وبعد أن يستريح من أعدائه، نفياً أو صلحاً، يبدأ بشن الغارات ليبقي الشعب في حاجة إلى قائد.

فإذا ارتاب من بعضهم ممن يبث في الأمة روح الحرية قذفه إلى ميدان الأعداء لينجو منه، فيكون شغله الشاغل إصلاء نار الحرب. فإذا رام الطاغية أن يستتب له الأمر نحّى جميع من ينصحه، فلا يبقى ذا جدارة لا من أعدائه ولا من أصدقائه.

«المستبد يُخرج الجيد ويُبقي الفاسد».

(8) لذة الملكي ولذة المستبد

المستبد بعيد عن اللذة الحقيقية ثلاث ثلاثات. فلذته تمثل رياضياً مكفوء العدد 9 (مكعب العدد 9) وبتربيع هذا العدد وتكعيبه تظهر لنا شقة بُعد المستبد عن الملكي.

ونقيض حال المستبد حال الملكي. فبعد إتمام عملية الضرب، فإن لذة الملكي تعدل 729 ضعف لذة المستبد. وآلام المستبد تعدل 729 ضعف آلام الملكي.

(9) تمثيل النفس

مثَلُ النفس كمثل جسد وهمي مختلف الطبائع متعدد الرؤوس، مصور على صورة مخلوق أسطوري (خميرا وسلا وسيربروس) تحيط به حلقة من رؤوس حيوانات داجنة ووحشية، وله قوة على توليد الرؤوس من جسمه حين يشاء وإخفاؤها أو تغييرها حين يشاء. وإلى جانب هذا المخلوق نصور رسماً ثانياً لأسد، وثالثاً لإنسان.

المخلوق الأول أعظم كثيراً من الآخرين، والأسد أعظم من الإنسان. نضم هذه الأجسام الثلاثة معاً بحيث تصير صورة واحدة، ثم نلبسها شكل أحدها وليكن الإنسان.

فإذا قلنا إن من مصلحة الإنسان أن يخضع لهذين الشريرين الغريبين، وأنه من فائدته أن يقيت الحيوان الغريب الشكل المتعدد الطبائع، فستنال منه المجاعة والضعف إلى درجة يكون فيها تحت رحمة كل من رفيقيه وقيادتهما، فيجرانه حيث شاءا دون أدنى سعي في مصالحة أحدهما مع الآخر. والأصلح له أن يتركهما معاً يعضّ أحدهما الآخر ويحاربه ويفترسه.

(10) الجزاء

جزاء العادلين والأبرار كجزاء آر بن أرمينوس الذي اخترع المغزل الموسيقي ذا الدوائر الثماني، كما تقول الأسطورة. كان المغزل العظيم يدور على ركبتي الضرورة، وعند كل دائرة من دوائره الثماني إحدى عرائس الجن الفاتنات، تصحب الدائرة في دورانها، وتخرج صوتاً واحداً يطابق علامة موسيقية واحدة، فينتج عن أصوات العرائس الثماني لحن موسيقي واحد.

حاشية ختامية: الشاعر

ينال الشاعر خلود النفس، لأنه لم يقلد ظاهرات الحياة الحسية ولم ينخدع بأوهام الكهف.

يحارب الشر في يقينه العقلي، وينأى بخلقه الهادئ الرصين عن تصغير النفس.

قد تقتله (الآفات والأدواء) إلا أن نفسه خالدة بما قدمت من أضحيات على مذبح الشعر.

أيها الشاعر: «إذا لم يقتل الشر النفس، فلا شيء آخر يقتلها».


ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة

إخترتنا لكم