عُدنا والعودُ أحمدُ ... الرجاء من زوارنا الكرام تزويدنا بالوصلات التي لاتعمل

جديد مدونتنا

إبــحــث عن كتــــاب

السبت، 10 يوليو 2010

الشيخ والبحر لإرنست همنغواي




يقول الكاتب العالمي إرنست همنغواي: "يجب أن يكون أسلوب الكاتب مباشرا وشخصيا، وتصويره وتشبيهه ووصفه غنيا وواقعيا، وكلماته بسيطة وحية."



في قراءة متأنية لرواية همنغواي "وداعا للسلاح" نلاحظ أن الراوي لا يعكس في الحقيقة سوى تجربة الكاتب في الحرب حيث يقول همنغواي بلسان راوي هذه القصة: "كنت دائما مرتبكا بعظمة ومجد الكلمات، وبالتضحية والتعبير". لكن لا يمكن القول أن همنغواي كان دائما مرتبكا من هذه الكلمات "الكبيرة" بل كان في غالب الأحيان يضيف إلى كتاباته نوعا من التحرر من الوهم أو التعبير الساخر، وأصبح موضوعه هو كيف يمكن العيش مع الألم، أما هدفه كروائي وكاتب للقصة القصيرة فهو كيفية تبليغ أفكاره وانشغالاته بأسلوب نثري لا يلغي هذه الاهتمامات بل يبرز ما بداخله تجاه المواضيع التي أصبحت بالنسبة له "قضايا"، ويكون ذلك الأسلوب النثري مبنيا على ما بقي بعد إزالة الكلمات التي لا يمكن تحمل سماعها. الشيء الذي جعل كتابات همنغواي مشهورة بعد نشر أول رواية له سنة 1929 "الشمس تسطع أيضا".







وقد تمكن إرنست همنغواي من الإبداع في أعماله لتتبعه طريقة فريدة في الكتابة لقت استحسانا كبيرا من لدن النقاد، وسنتطرق بكل تفصيل لهذا الأسلوب الرائع بعد أن نتعرف على الكاتب وبعض أعماله.



ولد إرنست همنغواي في 21 يوليو سنة 1899 ببلدة أوك بولاية إلينوا من أم تُدرس الموسيقى ومحبة للأدب "الرفيع" وأب طبيب يحب الصيد ومساعدة زوجته في أشغال البيت. بعد انتهائه من الدراسة الثانوية، قرر همنغواي أن يبحث عن طريقه في الحياة، فرفض الالتحاق بالجامعة وحصل على عمل كمراسل صحافي ناشئ بجريدة "الكانساس سيتي ستار.



عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب سنة 1917، كانت أمنية إرنست همنغواي الوحيدة هي أن يذهب إلى الجبهة ليشارك في الحرب، لكن خلال الفحص الطبي تم رفض طلبه للالتحاق بالجيش بسبب مشكلة في عينيه، ومع ذلك لم يمنعه الأمر من الالتحاق بكتيبة سيارات الإسعاف.



بعد ثلاثة أسابيع من العمل مع فرق الإسعاف أصيب همنغواي بجروح من جراء شظايا قنبلة بإحدى المدن الإيطالية سنة 1918، فقضى ستة أشهر في المستشفى قبل أن تستقبله بلدته استقبال الأبطال، بعد أن عرف الجميع أنه أنقذ صديقا له أصيب بجروح بليغة خلال إحدى المعارك.



لكن رجوع همنغواي إلى بلدته لم يمكنه من الاستقرار والاندماج مرة ثانية في الحياة الاجتماعية بهذه البلدة الصغيرة، وبعد بضع سنوات، مرض والده فانتحر، فوبخ إرنست أمه وحملها موت أبيه.



وفي سنة 1920 تزوج همنغواي من سيدة تدعى هادلي ريتشاردسون ثم رحل إلى باريس حيث عاش من بعض مالها ومن إيراداته من المقالات التي كان يبيع للجرائد، وهناك بدأت مسيرته لكي يصبح كاتبا وروائيا، فتعرف على مشاهير الأدب والثقافة كجيرترود ستين، وشروود أندرسون، وإزرا باوند، وسكوت فيتزجيرالد وغيرهم من الأدباء والفنانين الأمريكيين المقيمين بفرنسا، وقد وجد لديهم كل مساندة وتشجيع وتقدير لكتاباته مما جعل أندرسون وفيتزجيرالد يساعدانه على نشر مجموعته القصصية "في وقتنا" بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1925، لكن في سنة 1926 نشر روايته "الشمس تسطع أيضا" وبرز همنغواي كأحد الروائيين المتميزين بأسلوب رائع جميل.



بعد ذلك استمرت كتبه في التألق والانتشار ولقت قصصه القصيرة حفاوة أكثر من رواياته، وقد كان السبب، حسب بعض النقاد، تأثر قصصه بتقنية الأسلوب الصحافي المتميز بالوصف المباشر والحوار بأقل ما يمكن من تعليق القاص على الأحداث وتفسيره لها. وفي سنة 1929 ظهرت رواية "وداعا للسلاح" وهي رواية تظهر أن نسيج الحياة هو في الحقيقة مزيج من الموت والعنف أكثر مما تمثله تهديدات الحرب في هذه الحياة.



سافر همنغواي كثيرا بعد نجاح روايته الأولى وعمل كمراسل حرب في إسبانيا خلال الحرب الأهلية وكذلك على الجبهة خلال الحرب العالمية الثانية، وقد كان يكتب لعدة مجلات واسعة الانتشار، وبدأ يتطرق إلى قضية جديدة، وهي قضية كاتب يحاول الحفاظ على موهبته ضد تهديدات "الحياة" كالنجاح والمال والشهرة، وقد طبعت هذه القضية أعماله خلال الثلاثينات، ولعل أعظم مثال على ذلك روايته "ثلوج كيليمانجارو" التي نشرت سنة 1936، كما ظهرت نفس القضية في روايته الشهيرة "العجوز والبحر" التي نشرت سنة 1952 في مجلة لايف الواسعة الانتشار وحصل بها على جائزة بوليتزر سنة 1953.



لكن حب همنغواي لإسبانيا وتعاطفه مع أهل الريف كانت القضية التي تبناها قبل وفاته وكانت موضوع روايته "لمن تدق الأجراس" التي نشرها سنة 1940. ثم تابع أسفاره إلى أن وقعت له حادثة بسبب سقوط طائرة خفيفة كان على متنها، فأدخل إلى المستشفى عدة مرات للمعالجة إلى أن وضع حدا لنفسه في ظروف غامضة سنة 1961.



لقد بقيت شهرة همنغواي التي حققها في العشرينات من هذا القرن حية طول حياته بل وحتى بعد مماته، ويجمع العديد من النقاد والباحثين الذين درسوا أعمال همنغواي على أن أجمل ما كتب همنغواي كان في بداية حياته الأدبية، وأن إضافاته إلى الإبداع الأدبي كانت بدون أي شك قصصه القصيرة، لكن روايته "العجوز والبحر" تعتبر من أنجح ما عرفته الساحة الأدبية خلال القرن العشرين والتي حصل بها على جائزة نوبل للآداب سنة 1954. وتعتبر أعمال همنغواي من أبرز الأعمال الأدبية الأمريكية في ذلك العهد.



وقد كتب الكثير عن الأسلوب المتميز والفريد لإرنست همنغواي، الذي كان بسيطا وواضح المعالم بعيدا عن التنميق و"الزخرفة"، حيث كان يحكي قصصه بأسلوب صحافي مباشر.



كان عمر همنغواي متوسطا عندما نشر رواياته الأولى، لكن مع السنين تمكن من إتقان أدواته التعبيرية مما جعله يدخل على كتاباته بعض التحسينات، وقد اعتبر بمثابة قوة جديدة في الآداب المكتوب باللغة الإنجليزية، وطبعا لم يخيب ظن نقاده حيث امتدحه تقرير جائزة نوبل التي حصل عليها سنة 1954 في الكلمة التالية: "تحكمه القوي في الأسلوب القصصي الحديث".



لم يكن أسلوب همنغواي عفويا، بل كان نتيجة الممارسة الطويلة للكتابة الصحافية، حيث تعلم كيف يكتب تقارير عن أحداث حديثة، ثم يقوم بصقلها من تراكمات ما علق بذهنه من قراءاته المكثفة للرواد من الأدباء ودراسة أسلوبهم، بعد ذلك كان يعيد كتابة ما خططه عدة مرات حتى يقتنع أنه كتب حقا عملا جيدا.



ويكون من المفيد أن نترك الكلمة لإرنست همنغواي ليعطينا بنفسه فكرة عن أسلوبه وطريقته في الكتابة، كما جاء في أحد المقالات التي نشرت له في إحدى المجلات الأمريكية.



يقول همنغواي: "أهيئ أغلب أعمالي في ذهني، ولا أبدأ أبدا في الكتابة قبل أن تكون أفكاري منظمة. وكثيرا ما أقوم بتلاوة نصوص من الحوار بالطريقة التي ستكون عليه عند كتابتها، إني أومن بأن الأذن هي أحسن مراقب وحكم. ولا أكتب أي جملة على الورق قبل أن أتيقن بأن الطريقة التي تم التعبير عنها ستكون مفهومة وواضحة تمام الوضوح للجميع".



هذا باختصار هو إرنست همنغواي، وهذه هي طريقته في الكتابة، وهذا هو أسلوبه الفريد الذي اكتسبه من خبرته في الصحافة، والذي كان له أكبر الأثر في الأدب القصصي الأمريكي وأكسبه شهرة عالمية تعدت حدود جميع القارات.




 
رواية الشيخ والبحر من هنا

ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة

إخترتنا لكم